إعلان

شمس الأئمة السرخسي.. أملى أكثر من 15 مجلدًا لتلامذته وهو مسجون في بئر

03:59 م الأربعاء 16 يناير 2019

شمس الأئمة السرخسي .. أملى أكثر من 15 مجلدًا لتلام

كتب – هاني ضوه :

هِمَّة العلماء وإخلاصهم في العلم ليس لها حدود، فلا يمنعهم عن أداء مهمتهم الجليلة والاجتهاد في نفع الناس أي عائق، فعلى كل أحوالهم يسعون لأداء أمانة العلم، فاستحقوا بذلك وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم بأنهم "ورثة الأنبياء".

واليوم نتوقف مع شخصية عظيمة من فقهاء الإسلام، الذي لاقى الصعاب وكسر المستحيلات من أجل كلمة حق قالها، إنه الإمام شمس الأئمة أبوبكر السرخسي رحمه الله، الذي تعرض لمحنة كبيرة في حياته، إلا أنه جعل من هذه المحنة منحة وعلم ينتفع به، فأصبحت مصنفاته في فترة محنته من أهم مصنفات الفقه وخاصة المذهب الحنفي.

ولد الإمام السرخسي كما ذكر القرشي في ترجمته في كتاب "الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية" في مدينة سرخس، وانتقل إلى أوزكند وهي بلدة في ما وراء النهر من نواحي فرغانة وانتقل إلى بلاط خاقانها (ملكها).

ومن المحطات الفاصلة والمهمة في تاريخ الإمام السرخسي عندما تعرض لمحنة السجن في بئر جافة سنة 466هـ، وذلك لأنه قال كلمة حق، ورفض إصدار فتوى طلبها منه الملك تبيح له الزواج من الجارية التي أعتقها دون أن تستوفي عدتها، وهو ما رفضه الإمام السرخسي وأفتى أن زواج الخانقاة (الملك) من عتيقته حرام، فأمر الملك بسجنه في بئر جافة مهجورة، فظل مسجونًا لمدة 15 سنة.

وهنا تجلت همة الإمام السرخسي وكيف حول المحنة إلى منحة، فلم يستسلم للسجن، وظل تلامذته يترددون على البئر التي سجن فيها، وأملاهم أشهر مصنفاته وهو كتاب "المبسوط" في الفقه الحنفي فكان يقرأ عليهم من قاع البئر وهم يكتبون عنه من أعلاه، فأملاهم 15 مجلدًا، ليس ذلك فحسب، بل أملاهم كذلك شرحًا لكتاب "السير الكبير" للشيباني في مجلدين فلما بلغ كتاب الشروط أطلق سراحه فذهب إلى مرغينان في ربيع الأوّل سنة 480هـ وأتم شرح السير الكبير في جمادى الأولى من السنة نفسها.

وكان الإمام السرخسي حريصًا وهو يملي تلامذته كتابه "المبسوط" أن يذكر محنته في السجن، فكان كلما ختم بابًا من أبواب الكتابب يقول: "هذا آخر شرح العبادات بأوضح المعاني وأوجز العبارات أملاه المحبوس عن الجمع والجماعات"، وكذلك في كتاب الطلاق كتب في نهايته: "هذا آخر كتاب الطلاق المؤثر من المعاني الدقاق، أملاه المحبوس عن الانطلاق المبتلى بوحشة الفراق"، وفي باب الإقرار اختتمه بقوله: "انتهى شرح الإقرار المشتمل من المعاني على ما هو من الأسرار أملاه المحبوس في محبس الأشرار"، وباب الولاء قال في آخره: "انتهى شرح كتاب الولاء بطريق الإملاء من الممتحَن بأنواع البلاء يسأل من الله تبديل البلاء والجلاء بالعزّ والعلاء"، وكذلك فعل في باب المكاتب فقال: "انتهى شرح كتاب المُكاتب بإملاء المحصور المعاتَب والمحبوس المعاقَب، وهو منذ حولين على الصبر مواظب وللنجاة بلطيف صنع الله مراقِب".

توفي شمس الأئمة الإمام السرخسي -رحمه الله تعالى– حسبما جاء في ترجمته في كتاب "الجواهر المضيئ" سنة 490هـ/1097م، وقيل سنة 483هـ.

فيديو قد يعجبك: