إعلان

  شبكة الفساد المؤسسي!

محمد حسن الألفي

شبكة الفساد المؤسسي!

محمد حسن الألفي
09:00 م الثلاثاء 09 يوليو 2019

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

خسرنا أمام جنوب أفريقيا، لأننا نزلنا مهزومين من أول مباراة مع زيمبابوي، رغم تحقيق الفوز فيها وفي المباراتين التاليتين!

فور الهزيمة الثقيلة والحزن الوطني العام، صدرت قرارات بالحل والمحاسبة لكيان مؤسسي فاسد.

أكان لا بد من مصيبة أولًا؟!

تقع المراجعات ومحاسبة النفس والنفوس عادة في أعقاب الهزائم الكبرى على مستوى الفرد أو الجماعة الوطنية.

راجع عبد الناصر نفسه، وتحدث عن ثورة على الثورة بعد خراب مالطة في هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧، وكان لاحظ نتوءات مراكز القوى من حوله تنمو، وتتصلب، حتى ضده، فخرج على الشعب ببيان ٣٠ مارس، وفيه ندم ووعود وبرنامج إصلاحي، لكنه انتقل إلى الرفيق الأعلى وورث السادات مراكز القوى وتكتلات الفساد، وبعد الانتصار في حرب أكتوبر عام ١٩٧٣، ترعرع الفساد تحت شجرة الانفتاح- السداح مداح، وكان ذلك هو التعبير الشائع وقتها.

وورث مبارك فساد السداح مداح، واتخذ الاستقرار سبيلا للاستمرار، والاستمرار سبيلا للاستقرار، فولدت سياسة استقرار الاستمرار.. أى الركود!

والنظرية تقول إن الماء يتعطن من الركود. تعطن الوطن من الركود، لكن دفعةً ذاتَ هواء مختلف رفعت شعار الليبرالية، والانفتاح السياسي، حملت سريعًا تكتلات الفساد الموروثة إلى السطح فتكاثرت على الواجهة موجات الذباب النفعي المتعطش. منهم موجود كثير هذه الأيام!

تجار انقلبوا إلى العمل السياسي تحت مظنة ومظلة الليبرالية، للحصول على حماية وشرعية، لكنهم في الحقيقة أثاروا الاحتقان الشعبي، ووسعوا دوائر السخط، وخصموا من شرعية الرئيس مبارك وقتها، وهو ما نبهت إليه مرارا وقتها، لكن أحدا لم يُصغ، لأن الحقبة كلها كانت تمضي نحو حتفها المقدور.

ومع الحرية التي بلغت سقف الفوضى المقصودة، سقط نظام وصعد بالفوضى المخططة نظام الإرهاب ليحكم البلاد باسم الدين، وهنالك اتسع نطاق الفساد، فلم يعد معناه سرقة أموال وأراضي الدولة فحسب، بل بيع أو التنازل عن الدولة كلها للغير تحت مسمى الخلافة العثمانية، وشراء سكوت أمريكا. بل دعمها بالإقرار بأن إسرائيل درة العلاقات المصرية في المنطقة.

الفساد باسم الدين لا يمكن مقاومته، لأنك إن فعلت اتهمت بالكفر ومناهضة الشريعة وحق عليك الذبح أو السحل أو جدع الأنف والأذنين!

ثار الشعب، واستدعى الجيش، ولبى الجيش النداء والأنين، وتمت أكبر وأذكى عملية لإنقاذ مصر من العملاء وزعماء الجاهلية الثانية.

كان الفساد المالي توارى مؤقتا أمام هجمة الفساد في التفسير وفي الوطنية ولحساب حالة الهوس بالنساء، كشفت عنها سلسلة فضائح للمشايخ الإخوانية.

مع الوقت أطل فسدة الأنظمة الأربعة السابقة، ناصر والسادات ومبارك ومرسي، ليبحثوا عن موطئ قدم.

كانت الأموال حيلتهم.

فسدة عصر الإرهاب كمنوا في وزاراتهم ومؤسساتهم.

فسدة عصور ناصر والسادات ومبارك ورثوا الثقوب المتاحة، وتسللوا، وتغلغلوا وانتشروا، بالمساهمات والمحطات الفضائية وبتغيير النشاط، والدخول على الإعلام وكياناته والرياضة وكياناتها، يبيعون الوطنية بهمة وحماس كما يبيعون سلعهم وخدماتهم، وهم في ذلك لا يخجلون، لأن المسألة كلها تسويق وتكديس ثروات.

ما من رئيس جاء إلا ويعلن الحرب على الفساد، بإخلاص وتفانٍ وطهارة. راجعوا بدايات حكم الرئيس مبارك، وقبله السادات وقبلهما ناصر وقبلهم جميعا في العصر الملكى فاروق، وفؤاد... إلى آخر السلسلة، لكنه لا يلبث أن يترك فسادا لمن جاء بعده!

هل تقاعس؟

هل فترت الهمة؟

في عهد الرئيس السيسي لم تفتر الهمة، بالعكس، فقد أطلق للرقابة الإدارية العنان لمكافحة المفسدين في الجهاز الحكومي.

لكن لا يغيب عن الأجهزة المعنية أن الفساد ليس يعنى اختلاسًا لمال أو إهدارًا لأموال الشعب أو انتفاعا أو انتهازا لفرص احتكارية فحسب.

الفساد مؤسسي متغلغل متوارث، تمارسه وفق طقوس تليدة راسخة جماعات مؤسسية، تجنى نتائجه لذاتها.

تنجح الأجهزة في منع ومكافحة فساد الأفراد الموظفين وتلقي القبض عليهم، ويحاكمون، لكن جذور الشبكة متمددة في نسيج الاتحادات الرياضية والاقتصادية والتعليمية والثقافية والكيانات السياسية.

كما كان لمرسي عشيرة وأهل، فإن للفساد قبيلة وعشيرة وأهلا يتكاثرون.

نعم، شبكة الفساد المؤسسي تتوالد، وتتكاثر، وتتزاوج من بعضها، ولديها قدرة على الفرز والإقصاء. فرز الموالين وتقريبهم وإقصاء الشرفاء وسحقهم اجتماعيًا وعزلهم على كنبات الحسرة.

من أجل هذا، وفي سياق الهزيمة الكروية المخجلة في كأس الأمم الأفريقية، فإن المؤلم أن الدولة كانت تعرف بملفات الفساد المؤسسي، وتركته، ليثمر العلقم والخزي.

بالطبع، من الجيد بدء فتح الملفات ومحاسبة المسئولين، لكن اتحاد الكرة ليس المؤسسة الوحيدة التي ضربها العفن والعطن والتربح بأشكاله.

التطهير يحتاج الكيّ ليعتبر الآخرون! فساد الأفراد هين... الفساد المؤسسي هو قاتل الدول بلا منازع.

إعلان

إعلان

إعلان