إعلان

الملاك الذي في حياتي

محمد حسن الألفي

الملاك الذي في حياتي

محمد حسن الألفي
07:00 م الثلاثاء 07 ديسمبر 2021

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

لا يعرف الحب إلا من حصل على البركة. لا يتنسم نسائم الملائكة إلا من منحه الله ملاكاً. لا يتذوق حلاوة البراءة إلا من وهبه الله روحاً بريئة طاهرة يرعاها ويحمده عليها. لعلي من بين قليلين ممن منحهم الله أطفالا من ذوي الهمم، تأثروا، وأدركوا وفهموا؛ فطفرت الدموع من عيونهم، وفاضت بقلوبهم؛ إذ رأينا الأولاد والبنات من ذوي الهمم يحفون بأنوارهم رئيس البلاد، فرحين به، مطمئنين معه، ممتنين له. بالأحرى كان هو الفرحان. كان هو الممتن. كان هو المطمئن. كانوا يحادثون رئيس البلاد بكل التوقير والاحترام والشجاعة والمودة. وكان يجد نفسه فيهم، عادت طفولته، فرحته، ذلك الإحساس الرائع بأنك في حضرة خلق من خلق الله في اكتمال اختباره ... في اكتمال الاتعاظ.. في اكتمال القبول.. حين ولد ابني شريف، روحي، وأطلعني الطبيب علي حالته... تلقيت أكبر صدمة في حياتي. رغم قراءاتي الغزيرة، لم أكن أعرف، وجها لوجه، ما معنى أن يكون لك ولد Down Syndrome

بكيت بوجع، وانحدرت منى دموع غزيرة، ومشيت في الطريق ورحت أسال ربي سبحانه وأعاتبه سبحانه وكلى وجل على وجل: لماذا أنا؟ لماذا أنا؟ ...

لم يخطر ببالي قط أن أكون من المختارين أبا لملاك. بينما أنا في اجهاشي وحدي، محدثا نفسي، وجدتنى أسترجع.. وأنيب .. وأردد في قبول ورضا : طب الحمد لله ... الحمد لله . ورضيت نفسي ... وامتثلت.

مع الأيام ومع السنين، ومع مجهود رهيب عصيب، من العائلة كلها، واحتضان ورعاية، تراه ينضج أمامك، ويكبر، ويبتسم ويشاكس، ويعاند، ويرهقك ويمسح تعبك بطبطبة منه على ظهرك وأنت محنى تربط حذاءه أو تلبسه بنطلونه أو تمسح رجليه، وحين تخاطبه، وأنت المتحدث المتدفق، تتعلق عيناك بشفتيه وبلسانه، يحاول أن يجمع شتات الحروف ونثارها ... لينطق فما ينطق.. يا ربي ! ياربي ! ياربي !

تلك لوعة في القلب. تلك وخزة في النفس، لا يلقاها إلا من كان لديه ملاك في بيته. اللجوء إلى فضيلة التسليم والإسلام والقبول، يعفيك سريعا من التنهيدة الحارقة. مع الوقت، بدأت مخارج الألفاظ تنمو ... قليلة لكنها، كانت تكفي لبناء ونطق جملة واحدة من أجمل الكلمات، وأروع المعاني: بابا حبيبي حم حس.. آفى . يقص محمد حسن .. ألفي...

ثم مع الأذان يكرر: محم رسول الله ... ينطق الله كاملة... ورسول كاملة مع ثقل ملحوظ ...

أنت أنت حبيبي يا شريف ... أنت عطاء ربي لي وبركة عمري وسر ما منحني الله من قدرة وصبر وخير.

مع السنين أدركت أن الله يمنح الطيبين هؤلاء الأبرار. يعلم الله الأب المسئول ... الحنون ... ليودعه أجمل ودائعه .. البراءة والطهارة.

إن شريف ابني وملايين مثله في العالم هم أحباب الله.... وكل أب يرعى الله في أحبابه هو قريب من عطاءات الله وفيها... هؤلاء لا يحصلون من الدنيا إلا على النذر اليسير.. لا يتزوجون... لا يعرفون مباهج ومسرات كثيرة إلا ما أعطاها الله لهم ... من ذويهم .. لكنه سبحانه منحهم نعمة الرضا... نعمة الرضا، بدونها يكون الطمع والجشع والأنانية وقود الحروب والفساد والغيرة والرغبة في الاستحواذ.

الحمد الله على نعمة ابني شريف، منحة ربانية، والحمد الله على إخوته كلهم...

أحبك يالله.. منحتني وديعتك وأنا أمين عليها أرعاها حتى آخر نفس في عمري.

إعلان

إعلان

إعلان