إعلان

الشعر رجل فارس وليس قصيدة مكتوبة ..!

د. أحمد عمر

الشعر رجل فارس وليس قصيدة مكتوبة ..!

د. أحمد عبدالعال عمر
07:00 م الأحد 20 فبراير 2022

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

هل يمكن أن تكون حياة الإنسان قصيدة في ذاتها؟
هذا سؤال طرحه الدكتور يحيى الرخاوي في مقال عنوانه "جارودي روضة من رياض الجنة"، كتبه عام 1996 بجريدة الدستور، بمناسبة زيارة الفيلسوف الفرنسي الشهير روجيه جارودي للقاهرة.

وروجيه جارودي هو الفيلسوف الشهير الذي أعلن إسلامه عام 1982، بعد رحلة حياة فكرية وسياسية حافلة، وصار بعد ذلك موضع اهتمام دوائر الفكر والصحافة والإعلام في العالمين العربي والإسلامي، خاصة بعد أن نشر كتابيه "نداء إلى الأحياء" و "ما يَعد به الإسلام".
وقد كانت إجابة الدكتور يحيى الرخاوي عن هذا السؤال بالإيجاب، وأن حياة الإنسان يُمكن أن تكون قصيدة في ذاتها، واستشهد على صدق رأيه باستحضار ورحلة حياة وسمات شخصية "روجيه جارودي".
ثم أخذ الدكتور يحيى الرخاوي يُحدد سمات القصيدة التي صنعها جارودي بحياته، وعناصر جمالها، والتي كان أبرزها أنه لم يخن يومًا أحلام شبابه، رغم تغير المعارف والأحوال المادية والقدرة الإبداعية والقدرة البدنية.
كما أن جارودي كان ينطلق في حياته دائمًا من فروسية وشجاعة فكرية ونبل إنساني، ومن إيمان صادق بكل ما يعتقده أو يقوله أو يفعله؛ ولهذا لم يكن هناك تناقض مطلقًا أو ازدواجية بين ظاهره وباطنه. بين ما يكتبه ويقوله ويفعله.
ومن تلك العناصر الجمالية أيضًا، أن جارودي لم تُحركه أبدًا في حياته وخياراته دوافع شخصية أو نفعية، وكان دافعه الأساسي في كل اختياراته، هو البحث عن المعنى، ورفض أن تكون الحياة التي يعيشها بلا معنى، أو بمعنى زائف قائم على قيم ودوافع غربية كمية واستهلاكية قبيحة.
وفي رحلة بحثة عن المعنى، طاف جارودي في عالم الأفكار والمعتقدات والأديان، وكتب وحاور الناس، وسُجن وعُذب وحكم عليه بالإعدام، ولكن الجنود المسلمون في الجزائر رفضوا تنفيذ حكم الإعدام فيه؛ لأنهم يخافون الله. وكانت تلك الحادثة بداية تعرفه على المعاني السامية في الإسلام.
وفي النهاية، فقد صار جارودي قصيدة إنسانية عظيمة الثراء، لأن حياته كانت نتاج خياراته الحرة؛ فلم يقبل أن يفرض عليه أحد أمرًا يجعله على نقيض ما هو عليه، ومغتربًا عن ذاته وقناعته.
ولأنه عاش حياته شامخ العقل والروح، وعندما فكر في الموت اعتبره كمالًا وجوديًا للرحلة، ومدخلًا لحياة مشبعة بالأبدية، وهي أبدية ملموسة، صامتة، وجميلة، يتحقق فيها الغاية الكبرى، وهي عودة "الأنا الصغير" إلى "الواحد الأحد".
رحم الله الفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي الذي توفي في الثالث عشر من يونيو عام 2012، بعد رحلة متخمة بالثراء الإنساني والروحي والفكري، وهي رحلة جعلت حياته "قصيدة حية" جديرة بالتأمل والإلهام والاقتداء.

وهي قصيدة إنسانية أثبتت لنا صدق رأي الشاعر الفرنسي سان جون بيرس، الحائز على جائزة نوبل، عندما قال: "إن الشعر رجل فارس، وليس قصيدة مكتوبة".

إعلان

إعلان

إعلان