إعلان

مغاني الجنس اللطيف

د. ياسر ثابت

مغاني الجنس اللطيف

د. ياسر ثابت
08:00 م الأربعاء 31 يناير 2024

جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

كلما أضيف إلى المكتبة الموسيقية العربية كتابٌ، أضاء مساحة جديدة إلى تاريخ الموسيقى في المنطقة.

من هنا يأتي الترحيب بكتاب محمد علي عطية الذي يحمل عنوان «مغاني الجنس اللطيف» (دار المحرر، 2024).

يضم هذا الكتاب مجموعة كبيرة من الأدوار والطقاطيق للنساء في بدايات القرن العشرين، الأمر الذي يجعله أشبه بموسوعة غنائية صغيرة الحجم (140 صفحة) تشمل توثيقًا بالغ الأهمية لمجموعة كبيرة من مطربات مطلع القرن العشرين. بين هؤلاء المطربات شهيرات إلى حد ما، وبعضهن نتعرف عليهن وعلى أغانيهن للمرة الأولى، من بينهن منيرة المهدية والست توحيدة ورتيبة أحمد وفاطمة سري وأخريات.

الشاهد أن القارئ قد لا يجد هذه الطقاطيق والأدوار في أي كتب أخرى، حيث جمعها المؤلف محمد علي عطية بتأنٍّ شديد ليورد لنا في هذا الكتاب مجموعة نادرة من هذه الأعمال.

يبدأ مؤلف الكتاب بمجموعة من الطقاطيق والأدوار التي لم توجد في أي من الكتب في زمنه والأزمان السابقة عليه، لينطلق بعد ذلك في تقسيم الأبواب حسب نوع الطقاطيق والأدوار، حيث يوردها مقسمة إلى الطقاطيق الحجاز كار، والطقاطيق النهوند، والطقاطيق البياتي، والحسيني والشوري، والطقاطيق الصبا.. إلخ.

بعدها يأتي بالأدوار أيضًا بترتيب مشابه.

يتعيّن القول إن هذا الكتاب من نوادر التراث وهو من أرشيف د.عصمت النمر، الشاعر والمؤرخ الموسيقي، وصدرت الطبعة الأولى من الكتاب عام 1922 عن المكتبة العصرية.

الآن، وبعد أكثر من قرن كامل، أصبح الكتاب بين أيدي القراء الذي يرغبون في الاستزادة ومعرفة الكثير عن مطربات زمنٍ مضى، وأهم أعمالهن من الأدوار والطقاطيق.

من المعلوم أن الطقطوقة شكل من أشكال الغناء بالعامية يميزه عن غيره طريقة النظم والتلحين والغناء، وهي تتكون من مذهب وعدة مقاطع تسمى كوبليهات ومفردها كوبليه، ويعاد تكرار المذهب بعد كل منها كما يختم به الغناء.

أدخل ذلك النوع من النظم إلى العربية شعراء العامية في مطلع القرن العشرين مثل يونس القاضي وبديع خيري وأحمد رامي وبيرم التونسي.

من أشهر الطقاطيق عند سيد درويش:

خفيف الروح – مقام بياتي، أهو دا اللى صار – مقام حجازكار كورد، طلعت يا محلا نورها – مقام فا ماجير، زوروني كل سنة مرة – مقام عجم، حرَّج عليَّ بابا – مقام راست دوكاه.

أما في الكتاب الذي نتحدّث عنه هنا، فإن المطربات هن اللاتي يؤدين الطقاطيق. ومن طبائع الأمور أن يكون الغزل والغرام سمة غالبة على كلمات الطقاطيق، ومفردة الحب و«حبيته» هي أكثر الكلمات تكرارًا، ومن ذلك في إحدى «الطقاطيق الرصد»:

«حبيت جميل هو أسمر

وفي الحلاوة ما يتقدر

حبيته حبيته حبيته

أنا أحبه يا مَّة

(دور)

حبيته يا مَّة حبه مقدر

كلامه حلو زي السكر

أطلب وصاله يا نينة

علشان حبيته»

ثمة هوى ولوعة وشكوى في هذه الطقاطيق بسبب ابتعاد المحبوب أو هجره أو صدوده؛ إذ نقرأ في طقطوقة رصد أخرى:

«يا واخدة عقلي شوفي حالي من

عقبالك يا واخدة عقلي

(دور)

في أي مذهب وأي مِلَّة

ترضي لخلِّك بدي المذلَّة

علشان حبايبك دائما أذلة

تودي هجري من غير أدلة

يا واخدة عقلي

يا حلو قولي على وصلك

امتى يكون وتقضي هجرك

وبعد ده الله يسامحك

وأكون معاكي وافوز بقربك»

بالمثل، نجد الطقطوقة التالية تدور حول الهوى:

«الحُب أحواله تبكَّي ولياليه طويلة

يصبح العاشق يبكي من قلة الحيلة

ودموعي تجري من على خدي همايل من عينيه

من حبي بيعذبني وأموره ما تخلش عليَّ

(دور)

إن غاب حبيبي تتغير محاسني

وأخاف م الإشاعة لا لعازل يسمعني

ويا ربي بالمصطفى شفاعة

تجمعني على محبوبي وترده عليَّ»

يستعين العشاق بكل شيء، حتى بالطيور ، لتوصيل الفكرة ونقل الأحاسيس، ومن ذلك طقطوقة رصد ذائعة الصيت تقول:

«يمامة حلوة ومنين أجيبها

طارت يا نينة عند صاحبها

(دور)

وخدها البلبل وطار ويَّاها

قصده يا نينة يعرف لُغاها

(دور)

شعرها يهفهف وعليَّ يرفرف

وأنا بدي أعرف مطرح ما هيَّ

(دور)

شعرها أصفر حلو يضفر

ماشية تتمخطر قلبي عشقها

تسرح وتجيني بإيدها تصحيني

وتحلف بديني لم كانت برة»

وفي شؤون الغرام وشجونه، يلجأ البعض إلى أعمال الدجل مثل الزار، لجلب الحبيب، كما في طقطوقة الرصد التالية:

«يا نينة وصي شيخة الزار

تدق لي دقة بالطار

يا نينة يا مَّة

لسياد يا نينة اللي عليَّ

مربَّطين والله إيديه

باحلم بيهم طول الليل

طالبين إزار موضة وشمار

على مكَّاوي وعربي

ومغربي غاية مأربي

أمَّا السوداني طلبني

أما الولاليج زي النار

يا نينة يا مَّة

الست روما عاوزة لها

جوز أساور أجيبه لها

والبدلة خفة على طولها

كمان عضايا مع زنار»

في الطقاطيق الحجاز كار، بوحٌ أكبر ومكاشفة مع الحبيب؛ إذ تقول إحدى الطقاطيق:

«سنتين تلاتة وأنا عاشق

والقلب انشغل بالمحبة من بعد ما كنت رايق

(دور)

يا قلب ابكي ولا تشكي

لا عزولي يدري يدور يحكي

كلام زيادة ما هو لازم

(دور)

بانت عيوني فيك سوَّاحة

والدنيا ما فيهاش راحة

فالبُعد أحسن عن الخلايق

(دور)

سنتين تلاتة وأنا بحبك

وليه الأسى بقى يا قلبك

يا مَا إنت فايق ورايق»

في موضوع آخر، تنشغل بعض الطقاطيق بالهم الاقتصادي والغلاء وارتفاع الأسعار، كما نجد في طقطوقة حجاز كار، تقول كلماتها (التي كتبها بديع خيري وغناها أيضًا سيد درويش):

«استعجبوا يا أفندية

اللتر الجــــــــاز بروبية

(دور)

ما بقى له اليوم شنَّة ورنَّة

واللي بيبيعه له كلمة

ياما ناموا كتير ناس في الضلمة

وصبح أغلى م الكولونيا

(دور)

ده تمن اللتر بحق صفيحة

واللي بيبيعه بفضيحة

مأمـــــــور القسم يدي نصـــــيحة

ماشيــــة قدامه الدورية

(دور)

مين كان فاكر إن دا يــــجرى

حتى الكبريت بقى له ذكرى

وقزازة اللمبة خـــــــدت شهرة

بفرنك ونص وشـــــــوية»

في الطقاطيق النهوند، مزيدٌ من الانطلاق والمرح والبحث عن مواطن الجمال، كما نجد في الطقطوقة التالية:

« يا محلى الفسحة في راس البر

والقمر مور على موج البحر

(دور)

ألحاظه تجرح في كل مطرح

امتى أنا أفرح وأشوف البدر

(دور)

يا رب يسمح والقلب يفرح

ليلة ما يسمح ليلة القدر

(دور)

جاي يتعاجب عز الحبايب

والشوق غالب ولا فيش صبر

(دور)

يا قلب فضك م اللي غدر بك

قضِّيت عمرك كدا في القهر

قلبي تولع بجميل مدلع

حليوة مشخلع شبيه البدر

(دور)

حبيبي حيلة بعيون كحيلة

ما باليد حيلة نفذ الأمر»

أما الدور، فهو من قوالب الغناء العربي القديم، ورغم تكوين كلماته البسيط وأبياته القليلة فإن الهدف منه كان استعراض أداء ألحان مختلفة لتلك الأبيات وبذلك يطول لحنه ويتفرع لكنه يحتفظ بمقام موسيقي أساسي يُعرف به، ومن ذلك هذا الدور الذي ضمه الكتاب:

«خلي الفكر أنا رأيت سعده

وبخته أنصفه والحظ خادم

يجيه الليل يبات نعسان

وقلبي من الغرام ولهان

يطول ليلي وانا سهران

وانت يا خلي مبسوط ونايم»

يبقى القول إن الطبعة الأصلية الصادرة عام 1922 من كتاب «مغاني الجنس اللطيف» حملت على غلافها عبارات شارحة تقول: «وهو يحتوي على الطقاطيق الجديدة والسلامات السلطانية المفيدة وأهم ألحان الروايات وأدوار النساء المطربات».

إعلان