إعلان

مصر... سمر وموسيقى وقنابل وحجارة

03:07 م الثلاثاء 27 نوفمبر 2012

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

القاهرة - وكالات:

بينما كانت فتاة عشرينية تغنى على أنغام موسيقى صاخبة صادرة من جهاز تسجيل، داخل إحدى المراكب النيلية على ''كورنيش'' النيل بالقاهرة، كان أبناء جيلها في الشوارع المحيطة بميدان التحرير، والتي تبعد عن الكورنيش بمسافة تقل عن كيلومتر واحد، يرشقون بالحجارة الشرطة التي تطلق عليهم قنابل الغاز.

رصدت وكالة الانباء التركية '' الاناضول '' المشهدين رغم قرب المسافة، فعلى الكورنيش كانت الفتاة العشرينية تغني وبجوارها فتيات وفتيان يتراقصون بينما تملأ الابتسامة وجهوهم، وعيونهم تخرج منها نظرات حانية تتمنى أن تتوج علاقتهم بالزواج ويأتي يوم يغلق عليهم فيه باب واحد.

في المقابل كان ميدان التحرير والشوارع المحيطة يعج بشباب متحمس لدرجة الغضب، نظراته حاده، قرر أن يغلق باب قلبه حتى يستقيم حال الوطن من وجهة نظره.

ولا يفصل ''جغرافيا'' بين هؤلاء وهؤلاء سوى شارع أو اثنين موازيين لكورنيش النيل في مساحة لا تزيد عن كيلومتر مربع واحد.

فريق الكورنيش ينقسم بدوره إلى قسمين: الأول فريق من الشباب محدودي الدخل، الذي ينتمي إلى الريف المصري، دفعه البحث عن الرزق إلى السفر للقاهرة للعمل بالمراكب الراسية على شاطئ النيل أمام الكورنيش يقدم الخدمات لروادها.

ومتطلعا إلى هامش من الربح يحصل عليه، يقدم هؤلاء الشباب المشروبات المثلجة أو الساخنة إلى رواد المركب من الشباب، الذين لا تشغلهم على الإطلاق أصوات قنابل الغاز المسيل للدموع أو حتى رائحتها التي يحملها الهواء إليهم عند المركب.

أما فريق التحرير، فيتكون من عناصر مجندي الشرطة الذين بدا عليهم التعب والإرهاق الشديدين من إلقاء قنابل الغاز على المتظاهرين، وكله أمله أن تنتهي هذه الأحداث حتى يتمكن من الحصول على إجازة قصيرة يرتمي خلالها في أحضان أسرته التي تشوقت لرؤياه، تقابلها عناصر شابة لا تريد أن تستسلم للتعب بل مواصلة ''حرب الحجارة''.

أبطال المشهدين: التحرير والكورنيش، لكل منهما مبرراته.. فإحدى الفتيات اللائي تواجدن على الكورنيش، قالت لمراسل وكالة الأناضول للأنباء: '' لا يعنيني الإعلان الدستوري، ولا الحديث عن انفراد الرئيس بالسلطة.. ما الذي يفيدني من كل ذلك .. أهم حاجة أن أحاول جعل يومي سعيد''.

وشارك محمد نبيل الرأي السابق نفس المنطق، وقال وهو ينظر إلى فتاة كانت تجلس بجواره، قال إنها خطيبته: ''لماذا نشغل بالنا؟ .. من وقت لآخر. تقع أحداث ساخنة ثم تهدأ الأمور.. أنا قررت عدم الالتفات لما يحدث هناك في التحرير .. ولم أغير خطتي وجئت للكورنيش بصحبة خطيبتي للاستمتاع بوقتنا''.

المنطق الذي تحدث به نبيل، كان '' إبراهيم محمد '' ، أحد أصحاب المراكب النيلية بمنطقة الكورنيش، هو الأكثر سعادة به، لأنه يعني بالنسبة له، عدم توقف العمل بسبب الأحداث التي تقع على مقربة منه.

وقال إبراهيم بينما كانت أصوات قنابل الغاز القادمة من ميدان ''سيمون بوليفار'' الذي يقع بين ميدان التحرير وكورنيش النيل تهز المكان: '' يا ابني نحن نريد أن نعيش .. قمنا بثورة وانتهت .. لابد أن تسير الحياة ''.

في المقابل، يرى المتواجدون بميدان التحرير والمناطق المحيطة به، أنه لكي تسير الحياة كما يتمنى إبراهيم، فلابد أن ينضم أغلب الشعب المصري إليهم.

وقال محمد جودة، من داخل خيمته بميدان التحرير، والتي لجأ إليها ليستريح، بعد كر وفر مع قوات الشرطة: '' نحن هنا حتى يجد زوار الكورنيش العاطلين عملا يذهبون إليه''.

وأضاف: '' إذا صمتنا على الإعلان الدستوري الجديد، الذي أصدره الرئيس مرسي، فلن يجد هذا الرئيس من يحاسبه إذا لم يحقق تطلعات الشباب المصري، وأهمها الحصول على فرصة عمل مناسبة '' .

ووفقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن معدلات البطالة في مصر ارتفعت خلال الربع الأول من العام الحالي 2012 لتصل إلى 6ر12 % من قوة العمل مقابل 4ر12 % خلال الربع الرابع من العام الماضي2011.

شاب آخر اسمه خالد فتحي، كان يجلس على باب خيمته وهو يتابع الاشتباكات التي تجري على مقربة منه.

فتحي الذي نصحه الأطباء بإلتزام الراحة بعد إصابته في اشتباكات مع الشرطة، قال وهو يشير إلى رأسه المصابة: '' بالطبع لست سعيدا بهذه الإصابة، لكننا نريد أن نبني مصر بناء صحيحا، لأن ما يحدث الآن هو بناء على قواعد بها خلل.. وعندما يتحقق ذلك يمكنك أن تراني على الكورنيش أرقص وأغني''.

التناقض بين من يرقص ويغني على الكورنيش، ومن يقذف الحجارة في مواجهة قنابل الغاز في التحرير والمناطق المحيطة به، يراه سعيد صادق استاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية في القاهرة تعبيرا عن ''حالة التنوع في المجتمع المصري التي كشفت عنها الثورة''.

وقال صادق للأناضول: ''كان السواد الأعظم من المجتمع المصري قبل الثورة على شاكلة فئة شباب الكورنيش، ولكن بعدها صار لدينا شباب الكورنيش وشباب التحرير''.

وأضاف: '' التنوع واختلاف الأولويات بين الأفراد سمة أي مجتمع، ولكن كبت وقمع النظام السابق للشعب لم يسمح بظهور ذلك التنوع.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان