إعلان

عنف وحرمان ومساومة.. المرأة "لا ترث" في الشرقية (قصص ومستندات)

11:24 م الأحد 29 ديسمبر 2019

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

الشرقية - فاطمة الديب:

"استوصوا بالنساء خيرًا".. وصية واضحة وصريحة تركها الرسول للبشرية جمعاء، تؤكد على أن المرأة تستحق كل الخير، فيما أنزل الله من فوق سبع سماوات آيات بينات عديدة في قرآنه الكريم، تشرح وتوثق وتؤكد على حق المرأة في الميراث، لكن أيٍ من تلك الوصايا والآيات لم تعرف لها سبيلاً لقلوب أهل الريف وأغلب الرجال بمحافظة الشرقية؛ إذ بات حرمان المرأة من الميراث بمثابة عادة وعُرف يسير عليه الجميع.

حرمان وخصام

بداية الأمثلة الكثيرة، كانت لربة منزل تُدعى "فاتن. م" بإحدى القرى التابعة لدائرة مركز فاقوس، قالت إنها من أسرة قوامها ثمانية أفراد؛ الأب والأم و6 أشقاء، بينهم ثلاث رجال، أوصاهم الأب قبل وفاته بـ"توزيع الميراث على إخوتهم البنات بما يُرضي الله"، خاصةً وأن الوالد كان متيسر ويمتلك أراض زراعية ومنازل.

"رفضوا عدل ربنا" تقول "فاتن" بأسى، قبل أن تحكى لـ"مصراوي" أن أشقاءها الرجال تبدلت أحوالهم تمامًا بعد وفاة والدهم، فرفضوا توزيع الميراث "قالوا لنا إن أمنا لسه عايشة ومينفعش نقسم الورث، رغم إن كل واحد فيهم خد نصيبه".

"وزعوا على أنفسهم الميراث وكل واحد بنى بيت مخصوص له ولأولاده، وبعدها قالوا لنا إن كل بنت نصيبها مع شقيق لها في المنزل والأرض"، تضيف فاتن: "عدت السنين ومحدش نفذ كلامه لغاية أمي ما لحقت أبويا بعده بـ 10 سنوات، وبعدها وزعوا باقي الميراث والأراضي على نفسهم وكل اللي عطوه للبنات مواسم وزيارات في المناسبات وبس رغم إننا لينا نص اللي ورثه كل واحد فيهم، لكن نقول إيه بقى خايفين نكلمهم يقاطعونا".

1

جهاز العروسة

"الزنكلون" واحدة من القرى الشهيرة دائرة مركز شرطة الزقازيق، لكن شهرتها تنبع من ظاهرة انتشرت فيها دون غيرها من القرى؛ إذ يتم استبدال ميراث البنت بتجهيزها بالأجهزة الكهربائية اللازمة لزواجها، وهو الأمر الذي أكده عدد من أهالي القرية، ومنهم "محاسن. م" ربة المنزل صاحبة الأربعين عامًا، والتي قالت: "أهل البلد هنا بيجهزوا بناتهم أحسن جهاز قصاد إنها متاخدش ورث ولا أي حاجة بعد جوازها".

وأوضحت "محاسن" لـ"مصراوي" أن جهاز البنت هو ما يمكن لها أن تأخذه من منزل أهلها قبل زواجها، وبعد الزواج يتلخص الأمر في المواسم والزيارات "البنت عندنا مالهاش ورث لا في أراضي ولا بيوت، ورغم إن دا ظلم لكن دا اللي بيحصل مع كل البنات، وأنا نفسي حصل معايا دا قبل جوازي".

"محاسن" روت تفاصيل تجهيزها مقابل ميراثها، قائلةً: "اللي طلع لي ورث قدروه من ناحيتهم وعلى طريقتهم وجابوا لي به جهاز، وأغلب اللي جه مالهوش لازمة، يعني مثلاً عندنا 3 غسالات، وفي بنات ممكن جهازها يكفي 3 عرايس ويفيض كمان، لكن عادات أهل البلد هنا إن البنت مالهاش ورث، ولو الأمر حكم بيدوها مبلغ أقل بكتير أوي من حقها".

ميراث الغريب

من أقصى الجنوب إلى وسط المحافظة، حيث مدينة أبو كبير، التي اعتاد أهلها عدم توريث البنت طالما تزوجت من غريب، وفق ما تقول "هالة. ال"، إحدى ربات البيوت بقرية تتبع مركز المدينة.

وتقول "هالة" لـ"مصراوي" إن أغلب العائلات هناك طبائعهم تماثل أهل الريف والقبائل، لكنهم اعتادوا عدم توريث البنات سواء في الأراضي أو البيوت، بزعم أنها متزوجة من غريب عليهم، وهو ما يمنع وصول ميراث العائلة له، على حد اعتقادهم "حتى اللي بيتكتب لها ميراث بشرع الله وترفع قضايا وتكسبها، في الأخر إخواتها بيرفضوا ينفذوا ويدوها حقها وتفضل مقاطعهم ومقاطعينها ليوم الدين".

مساومة ضد القانون

تقول "هانم"، التي رفضت الإفصاح عن هويتها الحقيقية أو اسم القرية التي تعيش بها، إن والدها كتب لها ولشقيقتيها الاثنتين نصيبهن الشرعي من الميراث في البيت، وقام بتوثيق ذلك في الشهر العقاري، لكن بعد وفاته حصل شقيقها الأكبر على الأوراق وقام بتمزيقها، قبل أن يساوم كل واحدةٍ منهن على ميراثها بأبخس الأثمان "عرض علينا فلوس قليلة أوي قصاد ورثنا اللي أبونا كتبه، وكلم كل واحدة فينا لوحدها علشان يقنعها، تمضي تنازل عن حقها، ولما رفضنا كلنا ورفعنا عليه قضية في المحكمة علشان نثبت حقنا قاطعنا وحلف لو واحدة ماتت فينا مش هايدخل عليها بيت ولا يحضر لها جنازة حتى".

2

الدين ينتصر

ويقول الدكتور سعيد عامر الأمين العام المساعد للدعوة بالأزهر الشريف والرئيس السابق للجنة الفتوى بالأزهر، إن الإسلام اعتنى بالمرأة وحرص على أن يضمن لها حقوقها، بل وسعى لتكريمها بأن حث الرجال على حسن معاشرتهن. وأوصى رسول الله بهن خيرًا حتى تكون الروابط قوية ومتينة، إلا أننا في زمن كثر فيه الظلم وتفشى الجهل، فمنع البعض المرأة من الميرأث الذي شرعه الله لها.

وأكد عامر على أن ميراث المرأة من القضايا التي ينبغي لكل مسلم الإلمام بها حتى يعرف مدى تكريم الإسلام للمرأة في كل الجوانب، بما في ذلك الميراث؛ إذ أن الإسلام أنصف المرأة ورفع شأنها بعدما كانت قبل الإسلام لا تنل شيئًا من الإرث، بل تورث كما يورث المتاع، فجاء الإسلام يُقرر نصيبًا مفروضًا من الميراث لا يصح الانحراف عنه بحال.

أشار الأمين العام المساعد للدعوة بالأزهر الشريف أيضًا إلى أن هناك عقوبة دنيوية نص عليها القانون لمن يمتنع عن تسليم وارث لميراثه، لكنه شدد على عقوبة أخرى توعد الله بها من يفعل ذلك، ألا وهي النار وأشد العذاب، موضحًا أن الحق الذي أعطاه الله للمرأة لا يعوضه شيء، وأن ما يقوم به الأخ من مواسم لأخته يُعد من باب صلة الرحم ولا دخل له بالحقوق والواجبات، ولا يغني عن الحقوق شيئًا.

3

قانون المواريث

وتنص المادة 49 من قانون المواريث رقم 77 لسنة 1943، على معاقبة كل من امتنع عن تسليم الوارث نصيبه الشرعي بالحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر وغرامة لا تزيد عن 100 ألف جنيه، فيما يُعاقب كل من حجب أو امتنع عن تسليم مستند يثبت ميراثًا بالحبس 3 أشهر وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه.

جريمة الامتناع

ويؤكد الدكتور سامح فرج، المحامي المتخصص في قضايا الأسرة والأحوال الشخصية، أن القانون رقم 119 لسنة 2018، نظمَّ جرائم الحرمان من الميراث وشروطها وإجراءاتها، موضحًا شروط جريمة الامتناع عن تسليم حصة الميراث، والتي تتلخص في وجود تركة مملوكة للموروث تحت يد أحد الورثة، والذي يكون بدوره امتنع عن تسليم نصيب التركة لمن له الحق في الميراث.

وأوضح فرج، أنه في هذه الحالة يتم الاستناد إلى عدة وثائق ومستندات: "إعلام شرعى للمورث، وسندات ملكية المورث، وما يفيد حيازة الممتنع، وحكم ريع أو فرز وتجنيب، وتقرير الخبير"، قبل أن يشير إلى وجوب توضيح الحصة الميراثية المطالب في عريضة الجُنحة المباشرة.

وأشار محامي قضايا الأسرة والأحوال الشخصية، إلى أن الجرائم المعاقب عليها هي الامتناع العمدي عن تسليم أحد الورثة نصيبه الشرعي من الميراث، شريطة توافر القصد الجنائي للمتهم، وكذلك حجب السندات التي تؤكد نصيب الورثة، والامتناع عن تسليم تلك المستندات، موضحًا أن هناك ثلاثة أشكال هي المُعتادة" في القضايا التي تحدث في هذا الشأن بأهل الريف، خاصةً أهالي الشرقية، وهي: "عدم تسليم أرض زراعية لئلا يصل عيها زوج الأخت، وحرمان كامل، وآخر جزئي أو مادي".

4

شكاوى وتنازلات

الدكتورة عايدة عطية، مُقررة فرع المجلس القومي للمرأة بالشرقية ومديرة تنظيم الأسرة بمديرية الشئون الصحية، أكدت -بدورها- على أن المجتمع يعج بمظاهر العنف ضد المرأة، والتي من بينها حرمانها من الميراث، لافتةً إلى أن الشكاوى الواردة للمجلس في هذا الشأن كثيرة جدًا، وأغلبها يمتنع فيها الإخوة عن إطاء أخواتهم ميراثها من الأرض أو العقارات، وفي بعض الأحيان يُدفع لها مبلغ مالي بسيط جدًا مقابل تنازلها عن ميراثها الذي شرعه الله لها.

وأوضحت عايدة أن من يحرمون أخواتهم من الميراث يزعمون في وجهة نظرهم أن الأرض والبيت لا يجب أن تذهب لزوج المرأة، والذي يكون غريبًا عنها في عرفهم، رغم الالتزام الديني لمعظم أفراد المجتمع من ناحية أقامة الشعائر الدينية، إلا أنهم يتغافلون عن حق أصيل من حقوق المرأة، وهو الميراث.

وأشارت إلى أنه في بعض الأحيان يُهدد الأشقاء الذكور أخواتهم بأنهن في حال أخذن حقوقهن في الميراث سيتم قطع صلة الرحم ولن يقوموا بزيارتهن، وفي حال حدوث مشاكل بينها وبين زوجها لن يقفوا بجوارها أو يستقبلونها.

وأوضحت مُقررة فرع المجلس القومي للمرأة بالشرقية، أن المجلس يستقبل العديد من الشكاوى في ذلك الشأن من خلال مكتب الشكاوى، حيث يتم التوجيه بالطرق القانونية للمساعدة، وأحيانا كثيرة تقوم السيدات بعدم استكمال الإجراءت حرصًا منها على صلة الرحم وعدم فقدان تعاطف الأهل معها.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان