إعلان

بالصور- 6 سنوات ودلال باقية على "عهد المسحراتي"

12:04 م الإثنين 05 يونيو 2017

دلال عبد القادر المسحراتية

تطبيق مصراوي

لرؤيــــه أصدق للأحــــداث

كتب-إشراق أحمد:

تصوير- محمود بكار: 

للعام السادس تحل دلال عبد القادر مكان أخيها كـ"مسحراتي"، طوال 30 ليلة تبقى على العهد، بأن تُحيي ذكراه بما أحبه في حياته الدنيا، تتبع نهجه، تتمسك بالفرحة التي كان يُدخلها على سكان منطقة البساتين والمعادي، تحمل صورته وروحه في نفسها، متمنية أن يكون رمضان موعدًا لقبول دعائها له كل ليلة.

1

لم يكن مر على وفاة شقيقها أحمد أكثر من 30 يومًا، حين هلّ شهر رمضان 2011. أخذت تراقب شارعهم الذي كان يزينه صوته في مثل ذلك الوقت، فلم تزيدها الأجواء إلا وجعًا "أول رمضان يعدي من غير مسحراتي.. مفيش حد ينده ويصحى الناس". شعرت السيدة أن فرحة الشهر انطفأت بغياب أخيها، فعكفت على استعادتها، وحلت عبد القادر "مسحراتية" في رمضان 2012.

"سحورك يا صايم وحد الدايم..اصحى يا نايم.." بصوت رخيم تجوب عبد القادر شوارع المعادي، تتبع نهج أخيها؛ ترتدي حلتها، تعلق الطبّلة المُزينة حول رقبتها، ليواكب نداؤها قرع يدها اليمني بخرطوم صغير من الجلد، وتواصل ترديد أسماء الصغار والأسر، بينما تُجوِّد في أداء أغنية "مسحراتي" الشهيرة لسيد مكاوي "الرجل تدب مطرح ما تحب وأنا صنعتي مسحراتي في البلد جوال".

2

قلق انتاب عبد القادر حين عرفت قدماها الشارع لأول مرة كمسحراتي "صعب أني أنزل أعمل حاجة أخويا كان بيعملها"، غير أن تشجيع أهالي المنطقة حفزها، البعض يقول لها "كنا مفتقدين الحاج أحمد هتعوضينا غيابه"، فتجيبهم "لو الدنيا كلها سحرت مش هتعوض فراقه".

ارتبطت السيدة الأربعينية بشقيقها الكبير، إذ توفى والدها وهي بعمر 3 سنوات، ورحلت والدتها بعده بخمسة سنوات، فتكفل بها أحمد وبأخواتها الأربعة، غير أنها حفظت سيرة أبيها وأسرتها، تذكر والدها، صول قسم مصر القديمة الذي أحب التردد على الجامع ليؤذن في الناس، وفي شهر رمضان بعد عودته من عمله "وهو داخل الشارع يخبط على البيبان يصحي الناس يتسحروا وفضل يعمل كده لغاية ما مات"، ومن بعده حرص أن يفعل أخيها المحب للإنشاد والغناء.

3-____ _______ ____

على كرسي متحرك ظل الحاج أحمد، موظف الحي، ينادي للسحور طيلة 21 عامًا، يرافقه أخيه يدفع مقعده، صحبته عبد القادر مرة وهي ابنة 17 عامًا، لترى تمسكه بتلك المهمة، أبصرت الفوانيس المزينة لكرسيه، ارتدائه ملابس جديدة كأنها أيام عيد، غنائه المبهج، استقبال الناس له "طوب الأرض كان بيحبه ويستناه من السنة للسنة" وكذلك حاله كلما رافقته بعد زواجها وانجابها "لما كنت أحب أفرح أروح معاه".

في العام الأول لها كمسحراتي عرفت منطقة المعادي عبد القادر شكلاً "أخت فلان اللي كان بيسحر"، لكن في عامها هذا باتت مشهورة، يتحلق حولها الأطفال يرددون معها، يداعبها البعض "خلاص بقيتي تطلعي في التليفزيون ومحدش هيعرف يكلمك" تبتسم السيدة الأربعينية، بينما تقول "أنا بدخل التليفزيون وبخرج مسحراتية".

4

اعتادت عبد القادر الكاميرات؛ يطالبها أحدهم بالتقاط صورة معها لنشرها على فيسبوك، خلاف العدسات المحترفة، فيما تستعيد أمنية شقيقها "كان يقول لي ياما نفسى حد يصورني ويوصل صورتي للمسؤولين عشان أجيب كرسي بالكهرباء واتحرك عليه أحسن"، تضحك السيدة بغصة بينما تشعر أنها حققت بالحديث عنه شيء مما رغب فيه حتى مماته.

من منتصف الليل وحتى قبيل الفجر تواصل المسحراتية النداء، يصيبها الاجهاد بعد يومين أو ثلاثة، تواصل السعال، تتذكر مداعبتها لأخيها كلما رأته مبحوح الصوت "تعبان من إيه ده أنت بتنادي أسامي وخلاص"، مرض الحاج أحمد بالرئة لكنه ما تخلف عن ميعاده السنوي "كان يقول لي محبة الناس وأنك ترسمي ابتسامة على وش حد بالدنيا".

5

عارضت أسرة عبد القادر قيامها بدور المسحراتي، خوفًا على صحتها، لكنها لم تمنعها، تخبرهم أن "التعب ده على قلبي زي العسل"، تتذكر تحية النساء لها من الشرفات، مشاركتها السحور مع أهالي المنطقة، مَن تتقدم لها بقطعة حلوي "دوقي حتة الكنافة دي يا أم عاطف"، وصغيرة مثل "ساندي" تأتيها بكوب زبادي قائلة "الفجر هيأذن الحقي اتسحري يا طنط" وغيرها من مواقف تنسيها أي شيء خلاف بهجة ما تفعل.

لم تكن مهمة المسحراتي يسيرة، في منتصف أول رمضان لها مع "التسحير"، مرت إحدى السيارات، رمق صاحبها عبد القادر بنظرة قاسية كما تصف، قال لها مستهزئًا "بتسحري إيه أنت وإيه الطبلة دي"، عزّ على السيدة نفسها، بكت بينما كانت تمر بأحد المساجد، خرج إمامها، طيّب خاطرها قائلا "متزعليش نفسك أنت بتفرحي الناس وبتحي سنة التذكير" حينها زال عن عبد القادر الحزن، وعاهدت نفسها "هفضل أعمل كل شيء كان بيحبه أخويا".

6

تغادر عبد القادر منزلها كل ليلة، تترك هموم الدنيا، وتذهب مبتسمة إلى الطرقات، تنتشي بإجادتها الأناشيد وحسن النداء، فيما لا تغادرها صورة شقيقها "بيبقى معايا طول رمضان زي ما بشوف عيل من عيالي..يخلص العيد مشفهوش"، تخونها دموعها بينما تتذكر انقضاء أيام الشهر الكريم، ومعها طيف أخيها "الحاج أحمد" الذي تسعد أن البعض ممن عاهدوه ينادونها باسمه، تتمنى ألا تنقطع سيرتها مثله، فلا ترحل إلا بعدما تترك فيض من الود موصول.

فيديو قد يعجبك:

إعلان

إعلان